وعن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا ضار بأحدكم الدم فليحتجم لا يتبيغ به فيقتله فإذا أراد أحدكم ذلك فليكن من آخر النهار»[1].
وفي رواية أخرى: «إذا ثار بأحدكم فليحتجم لايتبيغ به فيقتله وإذا أراد أحدكم ذلك فليكن في آخر النهار»[2].
الحجامة في جوف الليل
في رواية الأنصاري: «كان الرضا (عليه السلام) ربما تبيغه الدم فاحتجم في جوف الليل»[3].
أيام مناسبة للحجامة
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «احتجموا لخمس عشرة وسبع عشرة وإحدى وعشرين لا يتبيغ بكم الدم فيقتلكم»[4].
وفي طب النبي (صلى الله عليه وآله) قال (صلى الله عليه وآله): «يستحب الحجامة في تسعة عشر من الشهر وواحد وعشرين»[5].
من أسباب كثرة السكتة
ثم إن كثرة السكتة في الأيام الأخيرة من أسبابه عدم أخذ الدم، فيصاب الإنسان بها قلبياً أو دماغياً، وقد سألت أحد المسؤولين على مقبرة طهران المسماة بـ (جنة الزهراء) [6]، وكان في أواخر أيام الربيع، فقلت له: كم عدد الأموات يومياً؟
فقال: كثير.
فقلت: كم عددهم من السكتة؟
قال: في هذه السنة ألفا شخص من الصغير إلى من عمره تسعون سنة.
وهكذا الحال في سائر المقابر في أطراف طهران، وغيرها من البلاد.
والحاصل أن ما نراه من كثرة الأمراض هو لترك التعاليم الصحية والطبية التي أمر بها الإسلام، ومنها الحجامة حيث ذكر الشرع أموراً فيما يتعلق بها كوقتها وآثارها ومكانها وغير ذلك على تفصيل سبق.
لا تحتجم على الريق
مسألة: الأفضل أن تكون الحجامة بعد طعام مّا، لا بعد الامتلاء ولا عند فراغ البطن، فإنه تكره الحجامة على الريق.
في رواية عمار الساباطي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما يقول من قبلكم في الحجامة»؟ قلت: يزعمون أنها على الريق أفضل منها على الطعام. قال: «لا، هي على الطعام أدر للعروق وأقوى للبدن»[7].
ولا يخفى أن المراد بالطعام: الطعام في الجملة، لا الطعام الكثير الذي يصل إلى حد الامتلاء.
وقد ورد: «إياك والحجامة على الريق»[8].
أي وانك لم تأكل قبله شيء، وهذا ما ذكره الأطباء أيضاً.
وروي عن العالم (عليه السلام) أنه قال: «الحجامة بعد الأكل لأنه إذا شبع الرجل ثم احتجم اجتمع الدم وأخرج الداء وإذ احتجم قبل الأكل خرج الدم وبقي الداء»[10].
أقول: ليس المراد إلى حدّ الشبع، فإنه ضارّ كما ذكره الأطباء، فإن الروايات المرتبطة بالطب يلزم أن يطلب معناها من الأطباء، وذلك ملاحظة للجمع والطرح بين رواياته، كما في روايات الفقه حيث يطلب المعنى من الفقهاء جمعاً وطرحاً، وكغير ذلك، فان الروايات الطبية ليست على خلاف سائر الروايات، والقاعدة جارية كذلك في روايات باب الفلك وغيره
كما لا يخفى.
حجامة الصائم
مسألة: يجوز للصائم الحجامة على كراهة في ذلك.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يحتجم الصائم في غير شهر رمضان متى شاء ـ إلى أن قال: ـ وحجامتنا يوم الأحد وحجامة موالينا يوم الاثنين»[11].
قوله (عليه السلام) (في غير شهر رمضان): لما ذكروه من كراهة إخراج الدم من الجسد في نهار شهر رمضان، أو المراد بذلك الأعم من النهار والليل، لأن الليل يورث الضعف أيضاً.
الحجامة في الحبس
مسألة: ينبغي أن لا يترك الانسان الحجامة حتى لو كان في الحبس.
في رواية عن أبي عروة أخي شعيب أو عن شعيب العقرقوفي قال: دخلت على أبي الحسن الأول (عليه السلام) وهو يحتجم يوم الأربعاء في الحبس، فقلت له: إن هذا يوم يقول الناس إن من احتجم فيه أصابه البرص. قال: «إنما يخاف ذلك من حملته أمه في حيضها»[12].
أقول: تقدم أن الحائض قد تحمل في الحيض كما ذكره الأطباء وما اشتهر عند بعضهم إنها لا تحمل في الحيض غير صحيح.
الدعاء عند الحجامة
مسألة: يستحب الدعاء عند الحجامة، كما هو مستحب في كل أمر حتى غير المهمّة منها عرفاً، فان الدعاء ينفع في كل شيء، أما ما يقال: من أننا ندعو ولا نرى نفعه؟.
فالجواب: يمكننا أن نفرض الدعاء مثل الدواء، فهل يصح أن يقال: إن الدواء لا ينفع لعدم ظهور أثره فوراً وإن وصفه الأطباء بالنفع.
هذا وقد قال سبحانه: ((قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم)) [13] مما يدل على أن الدعاء له المدخلية في كل الأمور.
وعلى أي، فعن الإمام الرضا (عليه السلام): «إذا أردت الحجامة فاجلس بين يدي الحجام وأنت متربع فقل: بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله الكريم في حجامتي من العين في الدم، ومن كل سوء وأعلال وأمراض وأسقام وأوجاع، وأسألك العافية والمعافاة والشفاء من كل داء»[14].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لرجل من أصحابه: «إذا أردت الحجامة وخرج الدم من محاجمك فقل قبل أن يفرغ والدم يسيل: (بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله الكريم في حجامتي هذه، من العين في الدم ومن كل سوء)، ثم قال: وما علمت يا فلان أنك إذا قلت هذا فقد جمعت الأشياء كلها، إن الله يقول: ((ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السوء)) [15] يعني الفقر، وقال عزوجل: ((كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء)) [16] يعني أن لا يدخل في الزنا، وقال لموسى (عليه السلام): ((وادخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء)) [17] قال من غير برص»[18].
ورواه في المستدرك أيضاً باختلاف يسير[19].
وفي هذه إشارة إلى أن (السوء) يستعمل لمعان متعددة، وقد ذكرت بعضها في هذه الرواية.
وقوله (عليه السلام) «يعني الفقر» تفسيراً لقوله تعالى: ((وما مسني السوء))، لعله المصداق الظاهر، وإلا فهو يشمل السوء بكل أقسامه.
وأما ((لنصرف عنه السوء والفحشاء)) فلعل المراد بالسوء أعم من الزنا فيشمل اللمس والقبلة وغير ذلك، وكذلك ((بيضاء من غير سوء)) يمكن أن يكون الأعم من البرص.
وقوله (عليه السلام): «فقد جمعت الأشياء كلها» فسّر ذلك بالآيات المباركات، ومعنى العين في الدم، أن يقال أن دمه نظيف أو ما أشبه ذلك، فان العين حق بالنسبة إلى كل شيء، كما في الروايات[20].
الحجامة والنظافة
مسألة: ينبغي مراعاة النظافة والأمور الصحية في الحجامة.
عن زيد الشحام قال: «كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدعا بالحجّام فقال له: اغسل محاجمك وعلّقها ودعا برمانة فأكلها فلما فرغ من الحجامة دعا برمانة أخرى فأكلها وقال هذا يطفئ المرار»[21].
أقول: المرّة خلط من أخلاط البدن غير الدم، والجمع مرار كما في مجمع البحرين[22] وغيره، ومعنى غسل المحاجم التنظيف، وتعليقها لعله للجفاف.
من آداب الحجامة
مسألة: للحجامة آداب ينبغي مراعاتها، ففي الرسالة الذهبية قال الرضا (عليه السلام): «فإذا أردت الحجامة فليكن في اثنتي عشرة ليلة من الهلال إلى خمس عشرة فإنه أصح لبدنك، فإذا انقضى الشهر فلا تحتجم إلا أن تكون مضطراً إلى ذلك، وهو لأن الدم ينقص في نقصان الهلال ويزيد في زيادته، وليكن الحجامة بقدر ما يمضي من السنين:
ابن عشرين سنة يحتجم في كل عشرين يوماً.
وابن الثلاثين في كل ثلاثين يوماً مرة واحدة.
وكذلك من بلغ من العمر أربعين سنة يحتجم في كل أربعين يوما، وما زاد فتحسب ذلك.
واعلم يا أمير أن الحجامة إنما تأخذ دمها من صغار العروق المبثوثة في اللحم، ومصداق ذلك ما أذكره أنها لا تضعف القوة كما يوجد من الضعف عن الفصد.
وحجامة النقرة تنفع من ثقل الرأس، وحجامة الأخدعين تخفف عن الرأس والوجه والعينين وهي نافعة لوجع الأضراس، وربما ناب الفصد عن جميع ذلك، وقد يحتجم تحت الذقن لعلاج القلاع (القلاع من أمراض الفم والحلق) في الفم، ومن فساد اللثة وغير ذلك من أوجاع الفم.
وكذلك الحجامة بين الكتفين تنفع من الخفقان الذي يكون من الامتلاء والحرارة.
والذي يوضع على الساقين قد ينقص من الامتلاء نقصاً بيّنا وينفع من الأوجاع المزمنة في الكُلى والمثانة والأرحام ويدّر الطمث غير أنها تنهك الجسد وقد يعرض منها الغشي الشديد إلا أنها تنفع ذوي البثور والدماميل.
والذي يخفف من ألم الحجامة تخفيف المص عند أول ما يضع المحاجم ثم يدرج المص قليلاً قليلاً والثواني أزيد في المص عن الأوائل وكذلك الثوالث فصاعداً ويتوقف عن الشرط حتى يحمر الوجه جيداً بتكرير المحاجم عليه.
ويلين المشراط على جلود لينة ويمسح الموضع قبل شرطه بالدهن وكذلك الفصد ويمسح الموضع الذي يُفصد بدهن فانه يقلل الألم، وكذلك يلين المشرط والمبضع بالدهن عند الحجامة.
وعند الفراغ منها يلين الموضع بالدهن وليقطر على العروق إذا أفصد شيئاً من الدهن لئلا يحتجم فيضر ذلك بالمقصود.
إلى أن قال (عليه السلام): ويجب في كل ما ذكر اجتناب النساء قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة.
ويحتجم في يوم صاح صاف لا غيم فيه ولا ريح شديدة.
ويخرج من الدم بقدر مما يرى من تغيّره.
ولا تدخل يوم ذلك الحمام فانه يورث الداء وصب على رأسك وجسدك الماء الحارّ ولا تغفل ذلك من ساعتك.
وإياك والحمام إذا احتجمت فان الحمى الدائمة تكون فيه، فإذا اغتسلت من الحجامة فخذ خرقةً مرعزياً (والمرعزى ألين من الصوف) فألقها على محاجمك، أو ثوباً ليّناً من قز أو غيره، وخذ قدر حمصة من الترياق (ما يستعمل لدفع السم من الأدوية والمعاجين) الأكبر وأمزجه بالشراب المفرح المعتدل وتناوله أو بشراب الفاكهة، وان تعذر ذلك فشراب الأترج، فان لم تجد شيئاً من ذلك فتناوله بعد عركه ناعماً تحت الأسنان، واشرب عليه جرع ماءٍ فاتر، وان كان في زمان شتاء والبرد فاشرب عليه السكنجبين العنصلى العسلي فانك متى فعلت ذلك أمنت من اللقوة (أقول: اللقوة مرض يعرض للوجه فيميله إلى أحد جانبيه) والبرص والبهق والجذام بإذن الله تعالى.
وامتص من الرمان المزّ فإنه يقوي النفس ويحيي الدم، ولا تأكل طعاماً مالحاً بعد ذلك بثلاث ساعات، فانه يخاف أن يعرض بعد ذلك الجرب، وان كان شتاءً فكل من الطياهيج، إذا احتجمت واشرب عليه من الشراب المذكى الذي ذكرته أولاً.
وادهن موضع الحجامة بدهن الخيري أو شيءٍ من المسك وماء ورد وصبّ منه على هامتك ساعة فراغك من الحجامة.
وأما في الصيف فإذا احتجمت فكل السكباج (السكباج طعام يصنع من خلّ وزعفران ولحم) والهلام (طعام يتخذ من لحم العجلة بجلدها) والمصوص (طعام يتخذ من لحم نقّع في الخل ويطبخ) أيضاً والحامض.
وصبّ على هامتك دهن البنفسج بماء الورد وشيءٍ من الكافور واشرب من ذلك الشراب الذي وصفته لك بعد طعامك.
وإياك وكثرة الحركة والغضب ومجامعة النساء ليومك»[23].
الحجامة واكل السكر
مسألة: يستحب أكل السكر بعد الحجامة.
عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنه احتجم فقال: «يا جارية هلمي ثلاث سكرات» ثم قال: «إن السكر بعد الحجامة يورد الدم الصافي ويقطع الحرارة»[24].
الحجامة وأكل الرمان
مسألة: يستحب أكل الرمان الحلو بعد الحجامة.
عن أبي الحسن العسكري (عليه السلام): «كل الرمان بعد الحجامة رماناً حلواً فإنه يسكن الدم ويصفي الدم في الجوف»[25].
ما يؤكل بعد الحجامة
وعن أبي بصير قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «أي شيء يأكلون بعد الحجامة» فقلت: الهندباء والخلّ قال: «ليس به بأس»[26].
من يرد الحجامة
ثم إن في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا الشعر:
وإن من يرد الحجامة فثلاثا***ففي ساعاته هرق الدماء
حرارة الدم والاغتسال بالماء البارد
مسألة: ينبغي الاغتسال بالماء البارد لتسكن حرارة الدم.
في رواية عن أبي إسحاق السبيعي عمن ذكره أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يغتسل من الحجامة والحمام، قال شعيب فذكرته لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فقال: «إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا احتجم هاج به وتبيغ فاغتسل بالماء البارد ليسكن عنه حرارة الدم، وان أمير المؤمنين (عليه السلام) كان إذا دخل الحمام هاجت به الحرارة صبّ عليه الماء البارد فتسكن عنه الحرارة»[27].
أقول: وذلك على ما ذكره الأطباء بأن علاج الأشياء قد يكون بالمثل وقد يكون بالضد على تفصيل مذكور في محله.
إعطاء الأجر
مسألة: يجوز إعطاء الحجام الأجر.
عن يونس بن يعقوب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «احتجم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين وأعطى الحجام براً»[28].
أي أجراً حنطة، فيجوز للإنسان إعطاء الحجّام الأجرة.
كسب الحجام
مسألة: الظاهر عدم كراهة كسب الحجام أو الحجامة، لبعض الروايات الآتية وإطلاق الأدلة..
أما ما في الجعفريات عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال: «من السحت... كسب الحجّام»[29]، وكذلك ما عن الصادق والكاظم (عليهم السلام) أنهما قالا: «إن السحت أنواع كثيرة منها كسب الحجام.. »[30]، فالظاهر أن السحت إذا استلزم المحرمات وخلط الحلال بالحرام، فكثيراً ما يذهب للحجام ومن أشبه ذلك النساء والغلمان، وقد تكون بعض الأعمال المشينة كما كان في ذلك الزمان.
ويدل على عدم الكراهة ما ورد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وأبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) أنهما قالا: «ما اشتكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعاً قط إلا كان مفزعه إلى الحجامة»[31].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (صلوات الله عليهم) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «احتجم وأعطى الحجّام أجره، وكان مملوكاً فسأل مولاه فخفف عنه»[32].
وعن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سئل عن كسب الحجام فقال: «ودّدت أن يكون لآل محمد منهم كذا وكذا وسمى منهم عدداً كثيراً»[33].
أقول: الظاهر أن لفظ «منهم» أي من الحجامين لا من الكسب، وأعداد كثيرة أي يكون عندهم أعداد كثيرة ممن يحجمون.
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه أتي برطب وعنده قوم من أصحابه فيهم فرقد الحجام فدعاهم فدنوا وتأخر فرقد، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما يمنعك أن تتقدم يا بني»، قال: جعلت فداك إني رجل حجام، فدعا بجارية فأتت بماء وأمره فغسل يديه ثم أدناه فأجلسه إلى جنبه وقال: «كل» فأكل، فلما فرغ قال: جعلت فداك إن الناس ربما عيّروني بعملي وقالوا: كسبك حرام، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «ليس كما يقولون كل من كسبك وتصدق وحجّ وتزوج»[34].
وقد روى السيد المرتضى (رحمه الله) في (تنزيه الأنبياء) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أنه نهى عن كسب الحجام فلما روجع فيه أمر المراجع أن يطعمه رقيقه ويعلفه ناضحه»[35].
أقول: لعل النهي عن كسب الحجام فيما إذا كان غير مبال بالنجاسة والطهارة أو احتمل أن يكون لهم قضايا مع النساء والرجال لدخولهم أحياناً وحدهم إليهم واليهنّ في غرفة بلا محاسب ومراجع فيستغل البعض هذه الحالة للحرام كما أشرنا إليه سابقاً.
وقال أبو طيبة: حجمت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأعطاني ديناراً وشربت دمه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أشربته»، قلت: نعم، قال: «وما حملك على ذلك»، قلت: أتبرك به، قال: «أخذت أماناً من الأوجاع والأسقام والفقر والفاقة والله ما تمسك النار أبداً»[36].
طهارة دم المعصوم (عليه السلام)
مسألة: ولا يخفى أن الرواية المتقدمة تدل على طهارة دم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما قال به بعض الفقهاء، وكذلك حال دم سائر الأئمة الطاهرين وفاطمة الزهراء (صلوات الله عليهم أجمعين)، قال سبحانه: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)) [37]، فانه يشمل الظاهر والباطن.
والمؤيدات لهذا القول كثيرة كقوله (عليه السلام): «أشهد أنك طهر طاهر مطهر، من طهر طاهر مطهر، طهرت وطهرت بك البلاد وطهرت أرض أنت فيها (بها) وطهر حرمك»[38].
وهذه مسألة فقهية ليست محل الابتلاء في زماننا، وإذا ظهر الإمام الحجة„ فيظهر واقع الأمر.
وفي رواية سئل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) هل أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تنجس بالموت؟ قال: لا، فقيل له: لماذا غسلتموه قال (عليه السلام): لجريان السنة.
ويقابله قول من قال بعدم الطهارة.
ما رواه صاحب الوسائل في كسب الحجام
ثم إن صاحب الوسائل (رحمه الله) عنون الباب بكراهة كسب الحجام مع الشرط، واستحباب صرفه في علف الدواب، وكراهة المشارطة للحجام لا للمحجوم، وأورد هذه الروايات التي ننقلها وان كان في بعض اجتهاداته تأمل.
فعن أبي بصير يعني المرادي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن كسب الحجام فقال: «لا بأس به إذا لم يشارط»[39].
وعن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رجلاً سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن كسب الحجام فقال له: «لك ناضح»[40]، فقال: نعم، فقال: «اعلفه إياه ولا تأكله»[41]، أي اجعل الأجر في شراء العلف للحيوان.
وعن رفاعة قال: سألته عن كسب الحجام؟ فقال: «إن رجلاً من الأنصار كان له غلام حجام فسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) » فقال له: «هل لك ناضح» قال: نعم، قال: «فاعلفه ناضحك»[42].
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن كسب الحجام، فقال: «لا بأس به»[43].
وعن حنان بن سدير قال: دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) ومعنا فرقد الحجام، فقال له: جعلت فداك إني أعمل عملاً وقد سألت عنه غير واحد لا اثنين فزعموا أنه عمل مكروه، وأنا أحب أن أسألك فان كان مكروهاً انتهيت عنه وعملت غيره من الأعمال، فإني منتهٍ في ذلك إلى قولك، قال: «وما هو» قال: حجام، قال: «كل من كسبك يا ابن أخي وتصدق وحجّ منه وتزوج فان نبي الله (صلى الله عليه وآله) قد احتجم وأعطى الأجر ولو كان حراماً ما أعطاه» الحديث[44].
وفي رواية معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عن كسب الحجام، قال: «لا بأس به» الحديث[45].
وعن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «احتجم رسول الله حجمه مولىً لبني بياضة وأعطاه ولو كان حراماً ما أعطاه، فلما فرغ قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أين الدم فقال: شربته يا رسول الله، قال: ما كان ينبغي لك أن تفعل وقد جعله الله لك حجاباً من النار فلا تعد»[46].
وعن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إني أعطيت خالتي غلاماً ونهيتها أن تجعله جزّاراً أو حجَّاماً أو صائغاً»[47].
وعن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن كسب الحجام فقال: «مكروه له أن يشارط، ولا بأس عليك أن تشارطه وتماكسه وإنما يكره له ولا بأس عليك»[48].
وعن جعفر (عليه السلام) عن أبيه: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) احتجم وسط رأسه حجمه أبو ضبية بمحجمة من صفر وأعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) صاعاً من تمر وقال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستعط بدهن الجلجلان إذا وجع رأسه»[49].
وقد روى علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال: سألته عن كسب الحجام فقال: «إن رجلاً أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسأل عنه فقال له: هل لك ناصح قال: نعم قال: أعلفه إياه»[50].
إباحة أجرة الفصد
مسألة: جواز الكسب على ما ذكرناه لا يختص بالحجامة، بل الأدلة تشمل ولو بالملاك كل كيفية أخذ الدم ولو بالعلقة أو بالفصد أو بغير ذلك، وقد جعل صاحب الوسائل باباً خاصاً لإباحة أجرة الفصد.
وعن بعض فَصَّادي العسكر من النصارى أن أبا محمد (عليه السلام) بعث إليه يوماً في وقت صلاة الظهر وقال لي: «أفصد هذا العرق» قال: وناولني عرقاً لم أفهمه من العروق التي تفصد، فقلت في نفسي: ما رأيت أمراً أعجب من هذا يأمرني أن أفصد في وقت الظهر وليس بوقت فصد، والثانية عرق لا أفهمه، ثم قال لي: «انتظر وكن في الدار» فلما أمسى دعاني وقال لي: «سرّح الدم» فسرحت ثم قال لي: «أمسك» فأمسكت، ثم قال لي: «كن في الدار» فلما كان نصف الليل أرسل إليَّ وقال لي: «سرّح الدم» قال: فتعجَّبت أكثر من عجبي الأول وكرهت أن أسأله قال: فسرّحت فخرج دم أبيض كأنه الملح، قال ثم قال لي: «احبس»، قال: فحبست، قال: ثم قال لي: «كن في الدار» فلما أصبحت أمر قهرمانه أن يعطيني ثلاثة دنانير فأخذتها وخرجت الحديث، وفيه أنه سأل علماء الطب عن ذلك فأخبره بعضهم أن المسيح (عليه السلام) كان فعل ذلك مرّة[51].
وفي رواية الكافي: (وخرجت حتى أتيت أبن بختيشوع النصراني فقصصت عليه القصة قال: فقال لي: والله ما أفهم ما تقول ولا أعرفه في شيء من الطب ولا قرأته في كتاب، ولا أعلم في دهرنا أعلم بكتب النصرانية من فلان الفارسي فأخرج إليه، قال: فاكتريت زورقاً إلى البصرة وأتيت الأهواز، ثم صرت إلى فارس إلى صاحبي فأخبرته الخبر، قال: وقال لي: أنظرني أياماً، فأنظرته ثم أتيته متقاضياً، قال: فقال لي: إن هذا الذي تحكيه عن هذا الرجل فعله المسيح في دهره مرة) [52].
وفي كتاب الخرائج والجرائح: ومنها ما حدث به نصراني متطبب بالري يقال له مرعبدا، وقد أتى عليه مائة سنة ونيف وقال: كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكل وكان يصطفيني فبعث إليه الحسن بن علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) أن يبعث إليه بأخص أصحابه عنده ليفصده فاختارني، وقال: قد طلب مني ابن الرضا من يفصده فصر إليه وهو أعلم في يومنا هذا بمن تحت السماء فاحذر أن تعترض عليه فيما يأمرك به.
فمضيت إليه فأمر بي إلى حجرة وقال: «كن ها هنا إلى أن أطلبك».
قال: وكان الوقت الذي دخلت إليه فيه عندي جيداً محموداً للفصد فدعاني في وقت غير محمود له وأحضر طشتاً عظيماً، ففصدت الأكحل فلم يزل الدم يخرج حتى امتلأ الطشت. ثم قال لي: «اقطع» فقطعت وغسل يده وشدها وردني إلى الحجرة وقدم من الطعام الحار والبارد شيء كثير وبقيت إلى العصر، ثم دعاني فقال: «سرح» ودعا بذلك الطشت فسرحت وخرج الدم إلى أن امتلأ الطشت فقال: «اقطع» فقطعت وشد يده وردني إلى الحجرة فبت فيها.
فلما أصبحت وظهرت الشمس دعاني وأحضر ذلك الطشت وقال: «سرح» فسرحت فخرج من يده مثل اللبن الحليب إلى أن امتلأ الطشت ثم قال: «اقطع» فقطعت وشد يده وقدم إلي تخت ثياب وخمسين ديناراً وقال: «خذها وأعذر وانصرف» فأخذت وقلت يأمرني السيد بخدمة قال: «نعم تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقور»[53].
وفي ذيله حكاية أخبار راهب دير العاقور.
والظاهر أنه إعجاز أراد الإمام (عليه السلام) أن يبلغ المسيحيين ذلك، وقد كانوا وجدوا عيسى بن مريم (عليه السلام) يفعل مثله، كما في الرواية، ثم إن الإمام (عليه السلام) إذا أمر شيئاً صار، فكان (عليه السلام) يوجد مثل هذا الفصد، وفي الحديث القدسي، قال الله تعالى: «يا ابن آدم أنا حي لا أموت، أطعني فيما أمرتك أجعلك حياً لا تموت، يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون، أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون»[54].
وقد ذكرنا في باب الإعجاز أن الأئمة والأنبياء (عليهم السلام) كنوح وموسى وإبراهيم ومن أشبههم (صلوات الله عليهم) يفعلون الشيء بمجرد إرادتهم، كما قال سبحانه: ((إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)) [55]، وكما ورد في أحوال أهل الجنة ما يشبه كن فيكون.
[1] ـ مستدرك الوسائل: ج13 ص85 ب11 ج14844.
[2] ـ مكارم الأخلاق: ص75 الفصل الرابع في الحجامة.
[3] ـ مكارم الأخلاق: ص73 الفصل الرابع في الحجامة.
[4] ـ مستدرك الوسائل: ج13 ص84 ب11 ح14840.
[5] ـ طب النبي(صلى الله عليه وآله): ص31.
[6] ـ اسمها بالفارسية (بهشت زهراء).
[7] ـ الكافي: ج8 ص273 ح407.
[8] ـ مكارم الأخلاق: ص73 الفصل الرابع في الحجامة.
[9] ـ مكارم الأخلاق: ص73 الفصل الرابع في الحجامة.
[10] ـ مكارم الأخلاق: ص73 الفصل الرابع في الحجامة.
[11] ـ وسائل الشيعة: ج10 ص81 ب26 ح12887.
[12] ـ وسائل الشيعة: ج17 ص109 ب11 ح22108.
[13] ـ سورة الفرقان: 77.
[14] ـ فقه الرضا (عليه السلام): ص394 ب113.
[15] ـ سورة الأعراف: 188.
[16] ـ سورة يوسف: 24.
[17] ـ سورة النمل: 12.
[18] ـ معاني الأخبار: ص172 باب معنى السوء ح1.
[19] ـ مستدرك الوسائل: ج13 ص78 ب11 ح14809.
[20] ـ نهج البلاغة: قصار الحكم 400، مكارم الأخلاق: ص386، مصباح الكفعمي: ص220.
[21] ـ مستدرك الوسائل: ج13 ص84 ب11 ح14836.
[22] ـ مجمع البحرين: ج3 ص481 مادة مرر.
[23] ـ مستدرك الوسائل: ج13 ص86ـ 89 ب11 ح14850.
[24] ـ مستدرك الوسائل: ج13 ص82 ب11 ح14828.
[25] ـ مستدرك الوسائل: ج13 ص83 ب11 ح14829.
[26] ـ مستدرك الوسائل: ج13 ص84 ب11 ح14837.
[27] ـ طب الأئمة: ص58.
[28] ـ وسائل الشيعة: ج17 ص114 ب13 ح22123.
[29] ـ الجعفريات: ص180 كتاب التفسير.
[30] ـ وسائل الشيعة: ج17 ص93 ب5 ح22062.
[31] ـ بحار الأنوار: ج17 ص33 ب14 ح16.
[32] ـ دعائم الإسلام: ج2 ص81 فصل20 ح238.
[33] ـ دعائم الإسلام: ج2 ص81 فصل20 ح239.
[34] ـ مستدرك الوسائل: ج13 ص75 ب8 ح14794.
[35] ـ تنـزيه الأنبياء: ص167 فأما حبسه... المال المكتسب من مهور البغايا على غني وباهلة.
[36] ـ طب الأئمة: ص56 منافع الحجامة.
[37] ـ سورة الأحزاب: 33.
[38] ـ مصباح الكفعمي: ص492 زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) أول ليلة من رجب.
[39] ـ وسائل الشيعة: ج17 ص104 ب9 ح22093.
[40] ـ الناضح: جمل يستقى عليه الماء للقرى في الحوض أو سقي أرض وجمعه النواضح. راجع كتاب العين: ج3 ص106، ولسان العرب: ج2 ص619. مادة (نضح).
[41] ـ وسائل الشيعة: ج17 ص104 ب9 ح22094.
[42] ـ وسائل الشيعة: ج17 ص104 ب9 ح22095.
[43] ـ وسائل الشيعة: ج17 ص104 ب9 ح22096.
[44] ـ وسائل الشيعة: ج17 ص105 ب9 ح22097.
[45] ـ وسائل الشيعة: ج17 ص105 ب9 ح22098.
[46] ـ وسائل الشيعة: ج17 ص105 ب9 ح22099.
[47] ـ وسائل الشيعة: ج17 ص106 ب9 ح22100.
[48] ـ وسائل الشيعة: ج17 ص106 ب9 ح22101.
[49] ـ وسائل الشيعة: ج17 ص106 ب9 ح22102.
[50] ـ وسائل الشيعة: ج17 ص107 ب9 ح22103.
[51] ـ وسائل الشيعة: ج17 ص107 ب10 ح22105.
[52] ـ الكافي: ج1 ص512 باب مولد أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) ح24.
[53] ـ الخرائج والجرائح: ج1 ص422 الباب12 في معجزات الإمام الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام).
[54] ـ إرشاد القلوب: ج1 ص75 الباب الثامن عشر وصايا وحكم بليغة.
[55] ـ سورة يس: 82
النبـي الأكـرم صلى الله عليـه وآلـه وسـلم . ( إن مـن الذنـوب مـالا يكـفره إلا الـوقـوف بعــرفــة ). الإمـام الصـادق عليـه السـلام . ( أعظـم أهـل العـرفـات جـرمـا مـن انصـرف وهـو يظـن انــه لم يغفــر لــه).
هام جداً: قوانين المساهمة فيالمواضيع. انقر هنا للمعاينة
احترم مواضيع الآخرينليحترم الآخرون مواضيعك لا تحتكر الموضوع لنفسك بإرسال عدة مساهماتمتتالية عند طرح موضوع يجب أن تتأكد أن عنوان الموضوعمناسب او لا تحل بحسن الخلق و بأدبالحوار و النقاش لا تنس أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية, فلاتتهجم على عضو بدعوى أنه لا يشاطرك الرأي ان قطعت عهدآ مع عضو فأوفي بوعدك لأنه دينعليك إن حصل خلاف بينك و بين عضو حول مسألة ما فلاتناقشا المشكله على العام بل على الخاص اناحترمت هذه الشروط البسيطة, ضمنت حقوقك و عرفت واجباتك. و هذه افضل طريقةتضمن بها لنفسك ثم لمساهماتك و مواضيعك البقاء و لمنتداك الإزدهار فيموقعنا إدارة منتديات انضم الينا www.anthamelina.com